بعد أن يتم نسيان إهانة نائب رئيس الولايات المتحدة بفترة طويلة، ويعود الرئيس ووزيرة الخارجية إلى الالتزام بالعلاقة القوية مع إسرائيل... ستبقى قضية القدس. إلا أن نسيان القدس، أو على الأقل وضعها جانباً، هو ما تحاول جميع الأطراف المشارِكة في آخر الجهود لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني عمله خلال السنة الماضية. الذين عملوا منا في إدارة كلينتون، وحاولوا عبثاً حل قضية القدس في كامب ديفيد، حذّروا إدارة أوباما مبكراً من أن التعامل مع موضوع القدس لن يأتي بأي شيء جيد. استسلم ميتشل بعد جهود مضنية للتفاوض على وقف الاستيطان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقَبِل ألا تضم الاتفاقية النشاط الإسكاني في القدس. وعندما أطلق عباس اتهاماته خطأً وأصرّ على عدم الدخول في المفاوضات دون تجميد الاستيطان في القدس، تمكن ميتشل وهيلاري أخيراً من إقناعه بدخول محادثات غير مباشرة دون تجميد الاستيطان. وحتى منظمة "الإيباك"، وفي خضّم الأزمة الأخيرة، فعلت ما بوسعها لنسيان القدس. والمدهش أنه بالنسبة لمنظمة قادت ذات يوم تشريعاً ملتهباً مصمماً لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، فإن حرف J (الحرف الأول من كلمة القدس بالإنجليزية) لا يظهر في بيانها الأخير الذي يشجب معاملة إدارة أوباما لإسرائيل. وعندما حاولت "حماس" استغلال الأزمة لإشعال انتفاضة ثالثة حول القدس هذا الأسبوع، تعاونت السلطة الفلسطينية مع إسرائيل لقمع المتظاهرين. يبدو الأمر وكأن جميع اللاعبين المنخرطين في ميلودراما العملية السلمية فهموا أخيراً أن "جنّي القدس" يحتاج لأن يبقى في قمقمه إذا كان هناك أي أمل بحل النزاع. لكن الأمر لم يحتج لأكثر من قرار تنظيمي روتيني في وزارة الداخلية الإسرائيلية لكشف هشاشة العملية كلها. من الواضح أنه بوجود كل هذه العزيمة في العالم، لن ينسى أحد القدس. لكن لم يمكن حل المشكلة أيضاً. أنظر إلى تلة "الهيكل" مثلا. هذا هو المكان الذي تتواجد فيه آثار "الهيكل" اليهودي الثاني، خلف "حائط المبكى" (البراق). لكن الحرم الشريف يقع على قمة هذه الآثار، ويحتوي على المسجد الأقصى، ثالث الأماكن قداسة في الإسلام. لن تتخلى إسرائيل عن السيادة التي حصلت عليها هناك، ولن يقبل الفلسطينيون أبداً ذلك الادعاء. كنا نظن في سنوات إدارة كلينتون أن بإمكاننا على الأقل حل قضية ضواحي القدس، لأن سكانها العرب واليهود يعيشون فيها منفصلين. اقترح كلينتون أن تكون الضواحي اليهودية للقدس الشرقية تحت السيادة الإسرائيلية، وأن تكون الضواحي العربية تحت السيادة الفلسطينية. كان عرفات في الواقع مستعداً لقبول ذلك التقسيم، وكذلك إيهود باراك. لكن المستوطنين اليهود ينتقلون بشكل عدواني إلى الأحياء العربية، بينما يُحرَم العرب من تصاريح البناء في أحيائهم وضواحيهم، فيقومون بشراء وحدات سكنية في الأحياء اليهودية. إذا استمرت هذه التوجهات فسيصبح حل كلينتون "السليماني" غير قابل للتنفيذ. وإذا لم يتم حل مشكلة القدس أو نسيانها، يتوجب إذن إدارة القدس بطريقة ما حتى يتسنى التعامل مع القضايا الأخرى الأكثر قابلية للحل. لهذا السبب يحق لهيلاري الإصرار على أن يقوم نتنياهو بحل الفوضى الأخيرة، ولهذا السبب أيضاً يسهر مجلس نتنياهو الوزاري المصغّر الليل بطوله محاولاً إيجاد سبيل للخروج من هذه الأزمة. اقترح بيريز جزءاً من الحل: يجب أن يتم إيقاف اليهود عن البناء في الضواحي العربية، بينما يمكن استمرار البناء في الضواحي اليهودية. لكن بيريز لا يذهب إلى نهاية الطريق. لأجل المساواة، يجب كذلك تزويد العرب بتصاريح كافية تحقق احتياجاتهم الإسكانية في ضواحيهم. كذلك يجب إيقاف هدم البيوت الفلسطينية. بهذه الطريقة سيستطيع نتنياهو القول إنه حافظ على حق اليهود بالبناء في القدس، وسيشعر الفلسطينيون أن حقوقهم في العيش لم تضع في خضمّ الأحداث. إذا استطاعت الأزمة الحالية توليد هذا النوع من الحل المؤقت في القدس، فستفعل الكثير لتيسير مفاوضات السلام إذا بدأت في يوم من الأيام. * سفير سابق ورئيس بالوكالة لمعهد بروكنجز -واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كومون جراوند